قصة قصيرة من كتاب امية المشاعر
الكاتب علاء الدين مصطفى
كان النهار يجر ذيوله، والشمس توشك على الأفول.. قادتني قدماي إلى إحدى اسواق بيع الكتب القديمة والتي تفوح منها رائحة الأصالة والتاريخ، مدفوعا بعشق كبير لنفائس الكتب التي تضم بين دفتيها كنوزاً من القصص والحكايات التراثية الفريدة.
دققت بناظري عَلٌي أستطيع أن أظفر بأحد هذه النفائس، فأعود من حيث أتيت منتشياً سعيداً.
تسمرت قدماي.. انتاب جسمي قشعريرة شديدة، ازدادت ضربات قلبي وكأني أجرى في ماراثون طويل لانهاية له.. إنها هي ..
أعرف تلك الأوراق جيدا أكثر من نفسي.. هي نفسها تلك الاوراق المبعثرة المهملة والتى أصبحت مطية لأقدام العابرين..
في لحظة تحول البكاء المكتوم بداخلي إلى بكاء يسمعه كل من حولي.. واصبحت مثار شفقتهم.. البعض يربت على كتفي، ويحاول تهدئتي، وآخرون كاد حب الاستطلاع والفضول يقتلهم لمعرفة سبب بكائي!!
وانهالت التساؤلات.. هل فقدت عزيزاً عليك؟ هل فقدت شيئا ثمينا لديك؟.. تحجر الكلام في حلقي.. خنقتني العبرات..
وأنا فقط أشير بأصبعي نحو الأوراق المبعثرة التي تداس بالأقدام، والتي قد تعلق إحداها بحذاء أحد المارة، فانتزعها متأففا متمتما بكلمات تشي بالاشمئزاز.
لم أعتقد يوما أن عشقي لسوق الكتب القديمة ستكون السبب في تعاستي هذه المرة، وهو الذي كان في كل مرة يزودني بطاقة إيجابية، ويمنحني سعادة ونشوة عجيبة.
انصرف عنى الجميع، وتركوني ألملم أشلاء دفتر ذكريات ممزق مهترئ.. احتضنته بقوة إلى صدري.. شممت فيه رائحة ورودى التي
اهديتها إليها، وسالت دموعي على بقايا أحمر شفاه طبعتها بشفاها على أوراقي.. مشاعر على الرصيف، وحياة تباع بثمن بخس لأنها أصبحت مشاعر من الماضي.
شعرت بأني بقايا إنسان وأنا أرى رسائلي وذكرياتي تعرض للبيع في سوق الكتب القديمة.